يقولون دائماً أن الحاجة أم الاختراع، وهذا ينطبق على قصتنا لهذا الموعد الشهري مع انترفيوات مشروع الابتكار الاجتماعي في قطاع الأغذية الزراعية من أجل تمكين المرأة في حوض المتوسط، لأن الأمر كله بدأ من طبق معكرونة حاولت الفلسطينية سمر قواسمي إعداده لأطفالها الأربعة، وكانت بحاجة إلى الريحان الذي نادراً ما يتواجد في المتاجر القريبة، فقررت البدء بصناعة معجونه في المنزل لتكون قادرة على إعداده كلما استحقته ثم بدأته كمشروع خاص بإنتاج معاجين الأعشاب بعد أزمة مالية ألمت بعائلتها لتساعد زوجها في تخطي الأزمة

مشروع "جنتي" بدأ عام ٢٠١٨ في مطبخ منزل سمر قواسمي المتواضع في مدينة رام الله في الضفة الغربية، لينتقل الإنتاج بعدها إلى مصنعها الذي أنشأته وزوجَها في منتصف العام ٢٠١٩، وباتت منتجاته اليوم تتوزع في ٧٥ نقطة بيع في مختلف مدن الضفة الغربية 

تقول سمر: "هذا المشروع جاء نتاجاً لشغفي بالمطبخ وإعداد الطعام والبحث عن نكهات جديدة تضفي طعماً جديداً على وصفاتنا التي اعتدنا عليها، ولأنني كنت أجد صعوبة توفير نكهات الأعشاب الطبيعية قررت أن أبدأ مشروعي بالتعاون مع زوجي، وقد اخترت اسم "جنتي" للمشروع لأننا نعتمد في إنتاجنا على المنتجات الطبيعية التي نحصل عليها من الأرض الفلسطينية التي هي جنتنا

يتكون المصنع اليوم من تسعة خطوط إنتاج توظف عشر شابات من مختلف المدن الفلسطينية يشرفن على عملية الإنتاج كاملة، تقول سمر: " سعينا إلى توظيف الشابات فقط لكي نكون قد ساهمنا في مساعدة النساء على العمل وبناء أنفسهن وتمكينهن

ينتج مشروع جنتي ١١ منتجاً معتمداً على المواد الطبيعية الخالية من الكيماويات والتي يمكن توفيرها على مدار العام، حيث تعتمد المنتجات على زيت الزيتون وملح البحر الميت والمُحليات الطبيعية بالإضافة إلى الأعشاب كالزنجبيل والريحان والزعتر الفارسي والبلدي والكزبرة والثوم، والتي تحصل عليها سمر من المزارعين والمزارعات الفلسطينيات في الأغوار الفلسطينية

تقول سمر: " نعتمد بشكل كامل على المنتجات الفلسطينية كمدخلات إنتاج، ونحصل عليها من عدد من المزارعين والمزارعات في الزراعة البيئية الصحية الخالية من الكيماويات، وهذا يأتي بهدف المساهمة في دعمهم/ن في ظل الظروف الصعبة التي يعانون/ين منها بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على الأراضي ومصادر المياه

ما هي الصعوبات التي تواجهك في قطاع الأغذية الزراعية؟

تجيب سمر: "لعل أبرز المشاكل التي تواجهني كصاحبة مشروع في قطاع الأغذية الزراعية في فلسطين هو عدم قدرتي على توفير المواد الخام بسهولة، بسبب عدم قدرة المزارعين والمزارعات على توفير الأعشاب والمواد التي نحتاجها في الوقت المناسب بسبب حواجز الاحتلال الإسرائيلي التي تعيق الحركة والقدرة على التنقل من منطقة إلى أخرى

وتضيف سمر: "قلة الموارد المالية وسيطرة الاحتلال عليها تجعل الزراعة أمراً صعباً في بلادنا، هذا بالإضافة إلى تقلص الأراضي التي يتاح للفلسطينيين الزراعة فيها بسبب سيطرة الاحتلال عليها، وبالتالي عدم القدرة على توفير الكميات المناسبة من المواد الخام لتصنيع المنتجات

من جانب آخر تقول سمر أن عدم دعم المجتمع المحيط للمرأة الريادية واستهتاره بقدرتها على إدارة أي مشروع تجعل المهمة أصعب، وتضيف: "دائماً أقول إن النساء الرياديات عليهن أن يستمررن في الإنتاج لأنهن سيصلن إلى النجاح يوماً ما، فالمعيقات ليست سوى تحديات تدفعنا للمقاومة من أجل الوصول 

ماذا فعلت جائحة الكورونا بنا؟

كغيرها من الرياديات، كانت جائحة كورونا ذات أثر عظيم على سمر ومشروع "جنتي"، فالإغلاقات والخوف الذي اجتاح عقول الناس أثر على مختلف القطاعات الاقتصادية على اختلاف مجال المشروع وحتى رأس ماله، لأن الجميع بات خائفاً حتى من أبسط الأمور، تقول سمر: "الكورونا جاءت وأفشلت جميع مخططاتي التي كنت أعمل عليها من أجل تطوير المشروع،  فقد انخفضت المبيعات ووصلت في معظم الأشهر إلى الصفر، قفت عملية التصنيع بسبب عدم قدرة العاملات على الوصول إلى المصنع، وبإمكاني القول أن الكورونا كانت ضربة قاسية لمشروعي الذي مازال في بدايته وها نحن الآن نحاول الوقوف من جديد

اليوم، تتطلع سمر قواسمي إلى رؤية منتجات مشروع "جنتي" خارج فلسطين، في الأسواق والمعارض والمتاجر العربية والعالمية، فرغم جميع المعيقات التي واجهت وتواجه المشروع، إلا أنه في الكفة الأخرى يمتلك جميع عناصر النجاح التي ستمكنه من إثبات نفسه في السوق.